سلسلة عمر الأمة بعد النبوة في 4 مراحل و 4 فتن [16/79]
لتحميل هذا المقال في ملف pdfادخل الربط التالي
https://www.mediafire.com/download/m0i6d5fbrgzly2z
فتنة الأحلاس#
( 15/ 33 ) فتنة الأحلاس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بتنازل الحسن رضي الله عنه عن الخلافة حقناً للدماء انتهت مرحلة الخلافة الراشدة الأولى و بدأت مرحلة الملك العاض
و خبت كذلك نار الفتنة الأولى التي دامت 5 سنوات و بدأت باستحلال دم عثمان ، و لكن آثارها لا تزال مستمرة ، و باقية كجمر تحت الرماد ، فما هي خصائص هذه الفتنة ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لنبدأ بالاسم :
الأحلاس: جمع حِلس ؛ بكسر الحاء وسكون اللام.
و الحِلس وهو الكساء الذي يوضع على ظهر الجمل تحت القتب ،
فاطلاق النبي عليه الصلاة و السلام اسم الأحلاس على الفتنة الكبرى الأولى فيه إشارة لدوامها وطول لبثها وملازمتها للأمة ، لأن الحِلس يبقى عادة ملازماً لظهر البعير على الدوام
وعندما يرفع أو ينزع من على ظهره ، تكون آثاره منطبعة على الظهر ، و باقية .
والحلس أيضا هو ما يفترش عادة داخل البيت فيبقى في المكان الذي وضع به دون أن يرفع أو يغير مكانه.
و تقول العرب للرجل : فلان هو حلس بيته ، إذا كان يلزم بيته لا يبرح منه. أي كأنه قطعة من أثاث أو عفش البيت.
إذن الخاصية الأولى لفتنة الأحلاس أن آثارها تظل مستمرة و ملازمة للأمة لفترة طويلة من الزمن
و من المعاني الإضافية لتشبيه هذه الفتنة بالأحلاس هو لسواد لونها
و ظلمتها فالحلس عادة كساء ذو لون أسود .
وهذه الصفات تنطبق على الفتنة الكبرى الأولى التي بدأت بمقتل عثمان قبل 1400 سنة من الآن
فآثار تلك الفتنة التي أدت إلى انشقاق طائفتي الخوارج و الشيعة عن جماعة المسلمين لا تزال مستمرة الى يومنا الحالي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- الخاصية الثانية لفتنة الأحلاس انها فتنة يستحل فيها الدم .
يقول الرسول صلى الله عليه و سلم :
تَكُونُ أَرْبَعُ فِتَنٍ
1- الأُولَى يُسْتَحَلُّ فِيهَا الدَّمُ
2- وَالثَّانِيَةُ يُسْتَحَلُّ الدَّمُ وَالْمَالُ
3- وَالثَّالِثَةُ يُسْتَحَلَّ فِيهَا الدَّمُ وَالْمَالُ وَالْفَرْجُ
4- وَالرَّابِعَةُ الدَّجَّالُ "
وهذا بالفعل ينطبق على فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه.
فهي أول فتنة كبيرة يشهدها الإسلام ، ولم يسبق أن حدثت فتنة قبلها فعمر بن الخطاب كان باباً مغلقا في وجه الفتن .
و لو استعرضنا مجريات الفتنة سنجد أن الدم فقط هو الذي استبيح في تلك الفتنة العامة و لم يستباح المال و لا الفرج .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بدأت بدم عثمان رضي الله عنه ، و بدماء بعض أبناء الصحابة الذين قتلوا على يد المتمردين .
و قد قُـتل في هذه الفتنة خيرة الصحابة ابتداءً بعثمان بن عفان ، وعلي بن ابي طالب ، والزبير بن العوام و طلحة بن عبيد الله ، و عمار بن ياسر رضوان الله عليهم جميعاً و هم من المبشرين بالجنة
بالإضافة الى اكثر من 100 الف من المسلمين خلال حروب الفتنة في سنواتها الخمس الاولى
وعندما سفكت الدماء في معركة الجمل التي انتصر فيها جيش علي بن أبي طالب على جيش الزبير و طلحة و عائشة ، لم يستحل علي المنتصر أموال أصحاب الجمل بل حرم على جنوده اخذ أي شيء من أموال خصومه المنهزمين ، وهذا ما جعل بعض جنوده - واللذين أصبحوا فيما بعد من الخوارج - يعترضون على قرار علي فقالوا كيف تستحل دماءهم و لا تستحل أموالهم .
فأجاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه،
قد كان من السبي أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فإن قلتم أنها ليست بأم لكم فقد كفرتم، وإن استحللتم سبي أمهاتكم فقد كفرتم.
الشاهد من الحديث السابق انه في هذه الفتنة لم تستحل الأموال ولا الفروج ، و إنما فقط الدم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 - فتنة الأحلاس هي فتنة تموج كموج البحر ، وتحدث بعد ان يُـكسر الباب المغلق في وجه الفتن ، و الباب هو عمر بن الخطاب .
عن حذيفة قال: "كنا جلوسًا عند عمر رضى الله عنه،
فقال: أيُّكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة ؟
فسكت القوم :فنظر حذيفة ثم قال : أنا يا أمير المؤمنين
فقال عمر : إنك عليها لجريء. ..
قال حذيفة : فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصوم والصدقة والأمر والنهي.
فقال عمر : ليس هذا أريد، ولكن أقصد الفتنة التي تموج كما يموج البحر.
فرد حذيفة : ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها بابًا مغلقًا.
فسأل عمر : أيُكسَر الباب أم يُفتح ؟
قال : بل يُـكسر.
فصمت عمر برهة ثم قال : إذن لا يغلق أبدًا.
كان بعض الصحابة في المجلس يسمعون هذا الحوار الراقي لكن لم يفهم جميعهم أبعاد هذا الكلام العميق فسأل بعضهم حذيفة بعد انصراف القوم من المجلس
أكان عمر يعلم الباب؟
قال حذيفة : نَعَمْ، كما أن دون الغدِ الليلةَ ، إني حدثته بحديث ليس بالألغاز
فسأل أحدهم حذيفة -على انفراد- عن المقصود بالباب الموصد في وجه الفتنة ؟
فقال : الباب هو عمر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشاهد في هذا الحديث هو فراسة عمر عندما قال إن باب الفتنة الذي سيكسر بعده لن يغلق أبداً
كما أن الرسول عليه الصلاة و السلام وصفها أنها تموج كموج البحر
و هذا التشبيه بأمواج البحر الذي شبهها به من أوتي جوامع الكلم هو كناية عن استمراريتها وتتابع أحداثها ، وأن منشؤها واحد ؟
أي أن هذه الفتن ذات جولات متتابعة كلما وصلت موجة الى الشاطئ لحقتها أخرى
وهذا ما وقع بالفعل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقد انطلقت شرارة الفتنة بسبب اثارة المنافقين الشغب بحجة المطالبة بعزل الولاة الذين عينهم عثمان ، ثم تأججت نارها بمقتل عثمان ظلما و عدوانا و بطريقة وحشية
ثم جاءت موجة أخرى في موقعة الجمل بين طلحة وعائشة والزبير رضوان الله عليهم من جهة وبين علي رضي الله عنه لنفس السبب
ثم موجة جديدة بين معاوية وعلى رضي الله عنهما ، ثم موجة الخوارج في النهروان
وتتابعت الامواج وراء بعضها البعض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4 - فتنة الأحلاس هي فتنة هرب و حرب :
و الهرب : من الهروب و الشرود ، اي أنها فتنة تجعل الناس يهيمون على وجوههم ، وهذا ما حدث مع اغلب الناس ولا سيما الأغلبية العظمى من الصحابة الذين اعتزلوا الفتنة و هربوا منها .
كما أنها فتنة تؤدي إلى حرب .
واذا أردنا ان نعدد المعارك و الحروب التي وقعت بسبب هذه الفتنة لن ننتهي ، ابتداءا بموقعة الجمل ، وصفين ، و النهروان . . مرورا بموجة جديدة من المعارك تمثلت في كربلاء ، الى موجة ثالثة تمثلت في حرب العباسيين و الأمويين ، ثم الحروب التي شنتها الخلافة الفاطمية ، مرورا بثورة الشيعة القرامطة في البحرين الذين سرقوا الحجر الأسود من الكعبة و استباحوا دماء المسلمين في الحرم المكي ، .....الخ
اي انقسم موقف الناس من الفتنة ما بين الهروب منها أو المشاركة في حروبها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5- موقف أغلبية الصحابة من الفتنة الكبرى الأولى - فتنة مقتل عثمان - هو أنهم كانوا أحلاس بيوتهم .
و هذا أيضاً أحد المعاني الذي يبرر تسميتها بفتنة الأحلاس ، وهو الأسم الذي أطلقه عليها من أوتي جوامع الكلم
فلم يشارك في الفتنة و الحروب التي نتجت عنها سوى 30 صحابي من أصل أكثر من 10000 صحابي .
يقول ابن سيرين :
هاجت الفتنة و أصحاب رسول الله -صلى الله عليه و سلم- عشرة آلاف ، فما حضر فيها مائة ، بل لم يبلغوا ثلاثين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و كان من أهم نتائج فتنة الأحلاس انها أنهت الخلافة الراشدة على منهاج النبوة ، و انتقلنا الى المرحلة السياسية الثانية في حياة الأمة ، مرحلة الملك العاض
وكما أن فتنة الأحلاس تدوم فترة طويلة فإن الملك العاض -كما يوحي بذلك اسمه سيدوم فترة طويلة
و قد بدأ الملك العاض بمعاوية بن ابي سفيان ، فهو أول الملوك كما قال هو عن نفسه
فما هي خصائص الملك العاض ، وكم سنة استمر؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نــور ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للحديث بقية
تعليقات
إرسال تعليق