سلسلة عمر الأمة بعد النبوة في 4 مراحل و 4 فتن [18/79]
لتحميل سلسلة الملك العاض في مستند ادخل على الرابط التالي
https://www.mediafire.com/download/tkdfzn3o
ybbjb6o
تنوية رابط خاص لتصفح السلسلة
https://noorhak.blogspot.com/search/label/%D8%B3%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%83%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%B6
سلسلة الملك العاض#
_______________
1 نظرة عامة
2 الأمويون
3 التاريخ لا يكرر نفسه
4 العباسيون ، المماليك ، و العثمانيون
______________________
( 17/ 33 ) الملك العاض - الأمويون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
توقّفت الفتوحات الإسلامية طوال عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، بسبب الفتنة و النزاعات الداخلية.
لكن بعد الاجتماع مجدداً على خلافة معاوية عادت الفتوحات من جديد
أرسل معاوية سنة 49 هـ حملة لفتح القسطنطينية ، و اشترك فيها ابنه يزيد و الحسين بن علي رضي الله عنه جنباً إلى جنب مع كبار الصحابة ، لكن الحملة فشلت و عادت إلى الشام في ظروف الشتاء الصعبة ، وقُتل فيها الكثير من المسلمين بينهم الصحابيّ أبو أيوب الأنصاري ، وكانت غزوة بلاء و شدة.
لكن عدى عن هذا الإخفاق شهدت الحقبة الأموية الطفرة الكبرى للفتوحات المبهرة ، و قد يكون أحد أسباب ذلك هو أن الأمويين كانوا يريدون شغل الناس بالفتوحات و الانتصارات عن الالتفات للفتن التي اشتعلت في بداية عهدهم ، ولصرفهم عن انتقاد التغيير في شكل الحكم بعد الخلافة الراشدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن الزمن بعد الخلافة الراشدة كله تغير ، و ليس شكل الحكم فقط
و بنو أمية كانوا أول من استشعر التغير في نفوس الناس و قطف ثمرته بعد رحيل الرعيل الأول
ويذكر أن أحد ملوك بني أمية سمع أن أناساً يتكلمون فيه و في خلافته فجمع أشراف الناس ووجهائهم
فقالوا له: أأنت خليفة ، وأبو بكر و عمر خلفاء ؟
فقال : كونوا أنتم مثل رجال أبي بكر و عمر ، نكن نحن مثل أبي بكر وعمر
على كل حال مهما قيل في خلافة بني أمية إلا أن الثابت و المؤكد تاريخياً أن الفتوحات التي تمت في عهدهم جعلت من الدولة الأموية الإسلامية اكبر دولة مركزية موحدة من حيث الاتساع الجغرافي في تاريخ الإسلام كله ، بل و في تاريخ العالم كله طوال العصور الوسطى
و ساعد الاستقرار السياسي النسبي الذي عاد مع عهد معاوية ، ثم عهد عبد الملك بن مروان ، و أبناءه إلى امتداد نفوذ الدولة الأموية و سلطانها السياسي من الصين شرقاً إلى الأندلس و جنوب فرنسا غرباً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وشملت رقعتها الدول و الأقاليم التالية بمسميات هذا العصر :
العراق ، بلاد الشام كلها : سوريا ، لبنان ، الأردن و فلسطين
الجزيرة العربية بأكملها : اليمن ، السعودية و دول الخليج
و في إفريقيا : مصر ، النوبة و شمال السودان و سواحل اريتريا
المغرب العربي : ليبيا ، تونس ، الجزائر ، المغرب ، موريتانيا
و في أوربا امتدت الدولة الأموية إلى المناطق التالية :
شبه الجزيرة الإيبرية : اسبانيا ، البرتغال ، أندورا ؛ و منطقة البيرنيه في جنوب فرنسا
معظم جزر البحر المتوسط : جزر الباليريك الاسبانية ، جزيرة كورسيكا الفرنسية ، جزيرة صقلية الإيطالية ، جزيرة مالطا ، جزيرة كريت اليونانية ، جزيرة قبرص
جمهوريات شمال جبال القوقاز الروسية : داغستان ، الشيشان ، آلانيا ، شركسيا ...الخ
و في آسيا : جنوب شرق تركيا ، إيران ، أذربيجان ، أرمينيا ، كردستان ، جورجيا
جميع جمهوريات آسيا الوسطى الحالية : قرقيزيا ، تركمانستان ، اوزبكستان ، طاجيكستان ، كازاخستان ، أفغانستان و جميع ولايات باكستان الخمسة : البنجاب ، السند ، بلوشستان ، منطقة القبائل و كشمير
ولايات شمال غرب الهند : ولاية راجوستان ، كوجرات ، و غيرها
إقليم تركستان الشرقية ذو الأغلبية المسلمة (يوغور ) وهو اكبر الأقاليم من حيث المساحة في جمهورية الصين الشعبية ، و عدة جزر في المحيط الهندي و بحر العرب كجزيرة سو قطرة و غيرها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و إضافة للفتوحات فقد شهد عهدهم أيضاً انجازات حضارية مميزة ، كصك عملة إسلامية ، تعريب الدواوين
بناء مسجد قبة الصخرة في الأقصى ، وتشييد عشرات المدن الإسلامية الجديدة كالرصافة في الشام و القيروان في ولاية افريقية (تونس) ، قرطبة في الأندلس
لكن الحقبة الأموية شهدت أيضاً الكثير من الفتن و الثورات و الإضطرابات و لا سيما في عهدي يزيد و مروان بن الحكم
وكما سبق و قلتُ لكم من قبل ؛ نحن في هذه السلسلة معنيون بدراسة الفتن أكثر من دراسة الصفحات الناصعة
لأننا نحاول أن نكون تلاميذاً صغاراً للبروفسور حذيفة بن اليمان الذي كان يسأل النبي صلى الله عليه و سلم عن الشر مخافة الوقوع فيه بينما الناس كانت تسأله عن الخير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حكم معاوية كخليفة شرعي مدة 19 عاماً من سنة 41 هجرية إلى سنة 60 هجرية ، وكان قبل ذلك والياً على الشام طيلة خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه و أيضاً خلال خلافة علي رضي الله عنه بحكم الأمر الواقع ، لذلك كان أهل الشام متعلقين كثيراً بمعاوية و يحبونه فقد رأوا في عهده الخير الكثير ، لذلك بعد وفاة أمير المؤمنين علي سارع أهل الشام لمبايعة معاوية خليفة للمسلمين و كذلك فعل والي مصر عمرو بن العاص ، و بقيت خلافته محصورة في الشام ومصر مدة 7 شهور حتى تنازل الحسن رضي الله عنه عن الخلافة في عام الجماعة سنة 41 هجرية حقناً للدماء
و كان من ضمن شروط تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية أن يُصبح الحسن هو الخليفة بعد وفاة معاوية مباشرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من أبرز التغيرات على الصَّعيد السياسيّ في عهد معاوية بن أبي سفيان ، أنه نقلَ عاصمة الدولة من الكوفة إلى دمشق ( بعد أن كان علي قد نقلها من المدينة إلى الكوفة )، وقد أثار هذا سخطَ بعض أهل العراق والحجاز
كما ألغى معاوية بن أبي سفيان في عهده نظام مجلس الشورى القديم ، وشكل مجلس جديد معين من قبله يضم أصحابه و من حوله كما أنشأ نظاماً للشرطة لحمايته وحراسته
و لم يشهد عهده فتن تذكر باستثناء محاولة الخوارج في بداية عهده الثورة مجدداً على خلافته في العراق ، فقاتلهم معاوية ، و نجحَ في إخماد ثورتهم في العراق نهائياً في عام 45 هـ ، وعادَ الاستقرار الداخليُّ إلى الدولة ، حتى وفاة معاوية في سنة 60 هـ
لكن إرهاصات الفتن بدأت تظهر عندما قرر معاوية توريث الحكم ، فاستحدث منصب ولي العهد و أخذ البيعة لأبنه يزيد من زوجته ميسون ابنة زعيم قبيلة كلب ، وذلك قبل 10 سنوات من وفاته
والسبب الذي دفعه إلى ذلك هو وفاة الحسن رضي الله عنه الذي كان من المفترض أن يكون خليفة المسلمين من بعده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعندما توفيَّ الحسن قبل معاوية بعشر سنوات ، أخذ معاوية البيعة لابنه يزيد من أهل الشام و بقية الأمصار خلال حياته
فبايعه معظمها إما رغبة أو رهبة ، وعارض الحجاز بشكل علني تنصيب يزيد وليا للعهد
وكان من أبرز المعارضين الحسين بن علي بن أبي طالب ، عبد الله بن الزبير بن العوام ، و عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعاً
وكذلك أهل الكوفة الذين ساءهم انتقال عاصمة الخلافة من الكوفة إلى دمشق
فاجتمع الكوفيون و اتفقوا على مُراسلة الحسين بن علي بن أبي طالب بالقدوم إليهم لمُبايعته على الخلافة و ريثاً لأخاه الحسن الذي توفي و بعثوا إليه الكتاب تلو الكتاب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و قد ارتاب عبد الله بن عباس من هذه الدعوة ، ونصح الحسين بالحذر من أهل الكوفة وعدم الاستجابة لهم ،
و قال له:
"فان أبيت إلا أن تخرج فسر إلى اليمن فان بها حصوناً وشعاباً ولأبيك بها أنصار"
و حذره كذلك من الخروج الكثير من الصحابة و أبناءهم في المدينة كابي سعيد الخدري ، و عبد الله بن عمر بن الخطاب ، و حتى أخوه محمد بن الحنفية ، و ابن عمه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب و غيرهم وجميعهم كانوا معارضي ليزيد لكنهم نصحوا الحسين أن لا يعطي الذريعة ليزيد
أما عبد الله بن الزبير بن العوام ، فقد حثّه على الذهاب وأقنعه بالاستجابة إليهم ، فمال الحسين إلى رأيه .
و بعض المستشرقين يدسون أن تشجيع عبد الله بن الزبير للحسين بن علي للذهاب للكوفة هو كي يبعد الحسين عن الحجاز لأنه كان يريد الخلافة لنفسه
لكن هذه آراء مريضة ، لأناس أشرار يحبون الطعن في الأخيار و اعتادوا التآمر ولا يستطيعون تحليل مواقف البشر خارج نظرية المؤامرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأن الحسين رضي الله عنه كان قد رفضَ بيعة يزيد من قبل ، و كان معارضاً لتعيينه ولياً للعهد قبل ذهابه للكوفة بعشر سنوات ، وكان رافضاً تحويل الخلافة إلى ملك يتوارث
لذلك عندما جاءته رسائل متلاحقة يقال أنها بلغت 500 رسالة من أهل الكوفة أرسل ابن عمّه مسلم بن عقيل بن أبي طالب ليستطلع الأوضاع ، و يجس النبض فبايعه هناك مابين 12000 - 18000 من أهل الكوفة
لكن يزيد عندما علم بما يدبر في الكوفة ؛ طلب من النعمان بن البشير والي الكوفة قمع الحركة و قتل مسلم بن عقيل بن ابي طالب
فاستشار النعمان الحسن البصري بهذا الأمر فقال الحسن البصري له:
" الله يمنعك من يزيد ، لكن يزيد لا يمنعك من الله"
لكن يزيد لم يمهله أي وقت ، إذ سرعان ما عزلَ النعمان بن بشير عن ولاية الكوفة لتساهله ، وعيَّن مكانه عبيد الله بن زياد ، فقبضَ هذا سريعاً على مسلم بن عقيل بن أبي طالب و قتله بعد أن تركه أهل الكوفة وانفضُّوا عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و وصلت هذه الأخبار إلى الحسين و هوَ في طريقه إلى الكوفة ، لكن رجاله و كانوا لا يزيدون عن 70 رجلاً أصرُّوا على مواصلة السير للثأر لأبن عم الحسن و الحسين
و يقال أن الحسين وهو في طريقه إلى الكوفة لقي الشاعر الفرزدق
وقال الفرزدق للحسين :
"قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية "
ولما وصل الحسين إلى كربلاء في طريقه إلى الكوفة أقبل عليه مبعوث من والي الكوفة عبيد الله بن زياد فحذره أن أي قتال مع الجيش الأموي سيكون انتحاراً
وفي هذا الموقف تتضارب الروايات ؛ فالشيعة يقولون أن الحسين جاوبه بهذا البيت من الشعر:
سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى *** إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلماً
فيما تشير روايات أخرى ، كالطبري عند أهل السنة أن الحسين لما علم بمقتل ابن عمه مسلم بن عقيل وتخاذل الكوفيين عن حمايته ونصرته ، قرر العودة إلى مكة ، لكن أبناء عمه من إخوة مسلم بن عقيل أصرّوا على المضي قدماً للأخذ بثأره ، فلم يجد الحسين بداً من مطاوعتهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن الثابت تاريخياً أن الحسين تابع المسير إلى الكوفة ، و في 2 محرم عندما وصل إلى كربلاء قبل الكوفة وجد بانتظاره جيش كبير يفوقهم بـ50 ضعفاً بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص
فيما لم يبق مع الحسين سوى 70 رجلاً ، بعدما تفرق عنه الناس ، ولم يبق معه إلا أهل بيته و قليل ممن تبعوه في الطريق. وعسكرت القوتان غير المتكافئتان في هذا المكان
فحاول الحسين أن يخرج من هذا المأزق بعد أن رأى تخاذل أهل الكوفة وتخليهم عنه كما تخلوا من قبل عن مناصرة ابن عمه مسلم ، وبلغ من تخاذلهم أنهم أنكروا الكتب التي بعثوا بها إلى الحسين حين ذكرهم بها
فعرض الحسين على عمر بن سعد بن أبي وقاص حلاً سلمياً وهو أن يرجع هو صحبه إلى مكة ، أو أن يذهب إلى ثغر من ثغور الإسلام للجهاد فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعث عمر بن سعد بمبادرة الحل السلمي إلى والي الكوفة عبيد الله بن زياد فرفض هذه الحلول ، وأبى إلا أن يسلم الحسين نفسه باعتباره أسيراً ، ويرسله بهذه الصفة إلى يزيد في دمشق ، و إلا فإن عليه أن يقتلهم جميعاً و يمثل بهم ، وسخر من عمر حين أبدى عطفًا تجاه الحسين
رفض الحسين بن علي هذا الأمر ، وجمع أصحابه مرة أخرى ، وقال لهم: "لقد بررتم وعاونتم، والقوم لا يريدون غيري، ولو قتلوني لم يبتغوا غيري أحداً ، فإذا جنّكم الليل فتفرقوا في سواده وانجوا بأنفسكم".
فما كان منهم -وكان أكثرهم من ذوي عمومته وأقربائه و القليل القليل من أهل العراق - إلا أن قالوا له: "معاذ الله! بل نحيا بحياتك ونموت معك"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقبل أن تبدأ المعركة لجأ جيش عبيد الله بن زياد إلى منع الماء عن الحسين وصحبه ، فلبثوا أياماً يعانون العطش.
وفي يوم عاشوراء كان القتال بين القوتين الغير متكافئتين
فقتل أصحاب الحسين الواحد تلو الآخر ولم يبق إلا هو ، يقاتل تلك الجموع المطبقة عليه ، حتى أثخنوه بالجراح ؛ فسقط قتيلاً ، ثم قطعوا رأسه وأرسلوا به إلى يزيد بن معاوية ، وطال القتل الأطفال والصبيان من عِترته وآل بيته ، ولم ينج من القتل إلا علي زين العابدين بن الحسين ، فحفظ نسل أبيه من بعده.
وكانت هذه المأساة مقدمة لشرخ كبير في الأمة الإسلامية سيدوم قروناً طويلة ، وعبر التاريخ القديم و المعاصر استغل هذه الكارثة الحزينة و تاجر بها الكثيرون لأهدافهم هم و غاياتهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما وصلت الأنباء بمقتل الحسين رضي الله عنه إلى الحجاز صار عبد الله بن الزبير يشهر بـ يزيد ويُحرض أهل الحجاز عليه ، فقام أهل الحجاز ومصر بمبايعته للخلافة و نقضوا بيعة يزيد .
وتطورت الأمور بسرعة حيث قام البعض داخل المدينة بإشعال فتنة و تحريك بعض الغوغاء لمحاصرة بني أمية في منزل مروان بن الحكم والي المدينة منذ زمن طويل
و بدأ البعض ينقل ليزيد من المدينة أخباراً ملفقة أو مبالغ بها عن إذلال بني أمية فيها و قتلهم
فغضب يزيد غضباً جماً ، وأرسل إلى المدينة جيشاً بقيادة مسلم بن عقبة لفك الحصار عن مروان بن الحكم و كان يعتبر شيخ بني أمية ، و هو نفسه الذي كان قبل 25 سنة كاتباً في ديوان الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ، و رفض عثمان تسليمه للمتمردين
أعطى يزيد تعليماته لقائد الجيش مسلم بن عقبة بمحاصرة المدينة ثلاثة أيام ، فإن أبوا إطلاق سراح بني أمية ومُبايعته فليقاتلهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و كأن تاريخ الفتنة يكرر نفسه ومن نفس المكانين الكوفة و المدينة!
و من تمحيص الأحداث يبدو أنه حتى ذلك الوقت كان لا يزال في المدينة نفس الشخص الخفي ، أو الجهة المجهولة التي كانت تؤجج الأمور بين الأطراف
وربما صرتم تتساءلون هل هو نفس الشخص الذي التقى به عبد الله بن سبأ في المدينة قبل بداية الفتنة ، وجعله يذهب تحديداً إلى الكوفة
هل هو نفس الرجل الذي لديه قدرة خاصة على تزوير الخطابات
هل هو نفس الشخص الملثم المجهول الذي خنق عثمان بن عفان بيديه قبل 25 سنة ، و تسميه شهادات التاريخ بالموت الأسود؟
لن أكشف لكم من هو الآن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و عندما بلغَ جيش يزيد المدينة الحصينة ، جاءته معلومات من داخل المدينة كي يدخلوا إليها من جهة تُسمَّى الحرّة ، هي منطقة الثغرة الدفاعية حول المدينة
وهكذا حدثت موقعة الحرّة سنة 61 هـ، وهُزمَ أهل المدينة وقتل 300 منهم ، ودخل مسلم المدينة عنوة واستباحها وقتل الكثير من أهلها وأجبرهم على مُبايعة يزيد بالقوَّة
وبعد هذه الأحداث الدامية في مدينة رسول الله ، سارَ مسلم نحو مكة للقضاء نهائياً على ثورة ابن الزبير، لكن لعنة استباحة المدينة أصابته فمات مسلم و هو في الطريق إلى مكة ، فأكمل قيادة الجيش الحصين بن نُمير ، لكن عندَ وصوله وجدَ ابن الزبير ورجاله مُعتصمين في الحرم المكي أملاً في الحصول على الأمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غير أن جيش يزيد وكان غالبيته من كلب و من بعض أهل الشام نصبَ المنجنيقات حول الحرم استعداداً لضرب المعتصمين
فتوجس بعض الجنود رهبةً من ذلك ، و ما كاد يبدأ الأمر حتى وصلت الأنباء من دمشق بوفاة يزيد بن معاوية ، فاضّطرب الجيش وعادَ إلى الشام تاركاً ابن الزبير في مكة
أما في دمشق فكان يُفتَرض أن يَرث معاوية بن يزيد الحُكم بعد أن عيَّنه والده ولياً للعهد قبل وفاته ، لكنه تنازل عن الخلافة وقال أنه لا يُمكنه حمل عاتقها ، وتوفيَّ هو أيضا بعد ذلك بأسابيع .. فانتهت به سلالة يزيد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و بدأ البعض في ذلك العصر يؤول الأمور و الأحداث و كأن الأمور ستعود إلى خلافة راشدة على يد عبد الله بن الزبير المعتصم في مكة ، بعد ملك معاوية العاض و الحكم الجبري لإبنه يزيد
لكن شيخ بني أمية و والي المدينة مروان بن الحكم تقدم وطالبَ بالخلافة لنفسه فبايعته القبائل العربية في الجزيرة واليمن ، و بايعه البعض في الشام والمدينة.
و شاء القدر أن يكون ابن الزبير هو أيضاً أعلنَ نفسه خليفة في الآن ذاته و بايعته مكة ، و أهل العراق ومصر بل ومعظم أهل الشام وخاصة قبيلة قيس ، و بايعه كذلك والي العاصمة الأموية دمشق الضحاك بن قيس القرشي
فسارَ إليه مروان بن الحكم بجيش ساندته قبيلة كلب التي بينها و بين قيس عداءات قديمة تعود إلى زمن الجاهلية
والتقى الجيشان في معركة مرج راهط ، وقُتل الضحاك في المعركة ، وبُويع مروان في دمشق و سيطر على كامل الشام ، و استعادَ أيضاً مصر من عبد الله بن الزبير دون قتال كثير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما الكوفة و العراق فكانت بعد واقعة كربلاء تتحسّس أكثر من غيرها ثقل الذنب ومرارة الندم ، باعتبارها طرفاً مباشراً ومسئولاً في مقتل الإمام الحسين ، فهم الذين ألحوا عليه بالخروج ووعدوه بالنصرة ثم خذلوه و تقاعسوا في أحرج الظروف
ومع تسارع الأحداث في الحجاز بعد مقتل الحسين ، أخذ بعض أنصار الثورة الحسينية في الكوفة ، يجتمعون بسرية تامة لمحاسبة أنفسهم على التقصير الذي أظهروه إزاء الحسين والتشاور في كيفية التكفير عن الذنب وغسل العار الذي لحق بهم نتيجة هذا التخاذل.
فتشكلت حركة معارضة شيعية كبرى تحمل اسم التوّابين بقيادة شيخ صحابي هو سليمان الخزاعي
و أعلنت الثورة على الأمويين وكان من أهداف ثورتهم
إزاحة الأُمويّين عن السلطة في الكوفة وتحويلها إلى قاعدة انطلاق للحكم الشيعي
و أخذ القصاص من قتلة الإمام الحسين، سواء من الأُمويّين أو المتواطئين معهم.
و تجسيد فكرة الاستشهاد، وذلك بالتنازل عن الأملاك واعتزال النساء.
و الإلحاح في طلب التوبة عن طريق التضحية بالنفس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و تعد حركة التوابين هي بدايات التشيع الحقيقي ومناصرة آل البيت ، و كان في ذلك الوقت نقياً و بعيداً عن الغلو ، قبل أن يتسلل إليه و يتاجر به كل من هب و دب عبر القرون و يُـدخل عليه الكثير من البدع و الطقوس الشركية و العقائد الباطلة التي كبرت مع الزمن ككرة الثلج فصار ديانة قائمة بذاتها و لا تحمل من الإسلام إلا اسمه
و بعد زيارة التوابين لقبر الحسين ، وتجديد العهد معه ؛ تحرّك سليمان الخزاعي مع جنده قاصدين الشام ، فوصلوا إلى الأنبار ، ثمّ إلى قرقيسيا وهي بلدة قرب دير الزور على مصبّ نهر الخابور في الفرات
فأرسل مروان بن الحكم إليهم جيشاً كبيراً قوامه 60 ألفاً بقيادة عبيد الله بن زياد قاتل الحسين ، فيما لم يكن يزيد عدد التوابين عن 4 آلاف
فأحاطوا بالتوّابين من كلّ جانب ، فلمّا رأى سليمان ما يلقى أصحابه من شدّة ، ترجّل عن فرسه ـ وهو يومئذٍ في الثالثة والتسعين من عمره ـ وكسر جفن سيفه وصاح بأصحابه: يا عباد الله ، من أراد البكور إلى ربّه والتوبة من ذنبه والوفاء بعهده، فليأت إليَّ.
فاستجاب له الكثيرون ، وحذوا حذوه ، وكسروا جفون سيوفهم ، وقتلوا من أهل الشام مقتلة عظيمة ، حتّى أُصيب زعيمهم سليمان بسهم ، فوقع، و هو يقول: فزت وربّ الكعبة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولم يعمر مروان بن الحكم طويلاً إذ سرعان ما توفي سنة 65 هجرية بعد حكم دام عشرة شهور.
فتابع بعده ابنه عبد الملك بن مروان ، الذي استلمَ الحكم وبلاد المسلمين مقسومة بين عدة قوى فإلى جانب الدولة الأموية المركزية في الشام و مصر و المغرب كانت هناك دولة عبد الله ابن الزبير في الحجاز والعراق ، و استغل الخوارج الأحداث فسيطروا بعد ثورتين على إقليمي الأهواز وبعض فارس . لكن سُرعان ما تم القضاء على الخوارج و استعاد الأمويون كذلك كامل مناطق العراق الموالية لعبد الله ابن الزبير
وفي السنة 73 للهجرة أرسلَ جيشاً بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي إلى مكة سنة 73 هـ فحاصرَ ابن الزبير الذي لجأ مرة أخرى إلى الحرم المكي
لكن الحجاج هذه المرة ضرب الكعبة بالمنجنيقات فعلاً ، فأصابت الحجارة ابن الزبير وصرعته.
و كوفئ الحجاج بأن أصبح والي العراق والمشرق .
و ببطش الحجاج و سياسة عبد الملك بن مروان استتبَّ الحكم أخيراً لخليفة واحد في كل البلاد بعد أن عصفَت الصراعات الداخلية بالدولة الأموية لعقد ونصفٍ تقريباً ، وسُميت سنة 73 هـ بـ عام الجماعة الثاني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد ذلك حاول عبد الملك بن مروان تضميد جراح الأمة ، و استمر حكمه 20 سنة ، وكذلك استمرت سياسة أبناءه المهادنة من بعده فكانت الفتوحات الكبيرة والإنجازات الحضارية المبهرة ، ثم جاءت الإصلاحات الدينية مع عمر بن عبد العزيز فأصلح في سنتين و نصف ما أفسده يزيد و مروان بن الحكم ، و يقال أن بعض أمراء بنو أمية تبرموا بإصلاحات عمر القائمة على العدل و الزهد و مصادرة أموال الأمراء فمات مسموماً ، و يقال أنه مات موتاً طبيعياً بالسل . و دفن عمر بن عبد العزيز في بلدة معرة النعمان قرب حلب ، وكان عمره 45 سنة عندما حضرته الوفاة و أوصى بالخلافة من بعده لإبن عمه يزيد بن عبد الملك
واستمر حكم بني أمية بعد عمر بن عبد العزيز 30 سنة تعاقب فيها 6 خلفاء ، لكن في السنوات الأخيرة لحكم بني أمية ظهرت حركات مناوئة جديدة كالخوارج في الجزائر و شمال إفريقيا و الشيعة في المشرق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فخرج العباسيون براياتهم السوداء من خراسان وقادوا الحركات الشيعية حتى أطاحوا بآخر ملوك بني أمية مروان بن محمد سنة 750 ميلادي ، 132 هجرية ، بعد معركة الزاب الكبير على نهر دجلة ، فهرب مروان متخفياً إلى مصر و هناك قتل
بعدها دخلت رايات العباسيين السوداء دمشق حصن الأمويين فطاردوا و قتلوا جميع أمراء بني أمية
حتى تمكن أمير أموي هو عبد الرحمن الداخل
الملقب بصقر قريش - من الهروب إلى الأندلس وهناك استمرت الخلافة الأموية وكانت عاصمتها الجديدة قرطبة.
و استمر حكم بني أمية في الأندلس أكثر من 3 قرون
حتى تقسمت تركتهم بين ملوك الطوائف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نـور ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للحديث بقية
تعليقات
إرسال تعليق