القسم: عمر الأمة بعد النبوة في 4 مراحل 4 فتن
(سلسلة متممة)
لتحميل سلسلة الجذور والبذور ادخل على الرابط التالي
https://www.mediafire.com/download/b0fl8ftkewvbk7t
تنوية!! رابط خاص بتصفح السلسلة https://noorhak.blogspot.com/search/label/%D8%B3%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B0%D9%88%D8%B1%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B0%D9%88%D8%B1
سلسلة الجذور و البذور#
_______________
1 جذور الحكاية
2 الشجرة الملعونة
3 ريح الشر
4 سنة ستين ، و إمارة الصبيان
5 انسلاخ الرجل العنكبوت
6 الساعة الأخيرة
7 شوهد من قبل / Déjà vu /
__________________
(6) الساعة الأخيرة
يموت يزيد فيما كان جيشه يحاصر مكة و المنجنيق يقصف الكعبة وابن الزبير المعتصم بحرمها ، وما أن وصل خبر موته حتى اضطرب الجنود و خافوا ، وانسحب الجيش الى الشام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي دمشق يتنازل معاوية بن يزيد عن الحكم و يترك الأمر شورى بين المسلمين كي يختاروا لأنفسهم خليفة ، ويدخل بيته ولا يخرج منه إلا بعد بضعة أيام وهو جثة هامدة
أما خالد بن يزيد - ولي العهد الثاني - فكان لا يزال غلاماً يافعاً
فيدب الخلاف بين بني أمية ويبقى منصب الخليفة شاغراً لمدة ثلاثة أشهر و الدولة الاسلامية الشاسعة بلا أمير يسوسها ، ويوشك الملك العاض لبني أمية أن يزول .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في هذه الأثناء تبايع مكة عبد الله بن الزبير خليفة للمسلمين ، ثم لا تلبث أن تنهال عليه البيعات من كل الأمصار و الأقاليم ، ما عدا الشام التي كانت منقسمة على أمرها
فقبيلة كلب القوية هي أكبر قبائل الشام و أكثرها نفوذاً في ذلك الوقت هي حليف تاريخي قوي للأمويين و تربطهم بهم علاقات مصاهرة
أما قبيلة قيس فكانت أيضاً قبيلة كبيرة من قبائل الشام ، وكانت الخصم التاريخي اللدود لقبيلة كلب منذ الجاهلية ، و قد اجتمعت كلمتها على بيعة عبد الله بن الزبير
حتى الضحاك بن قيس الفهري والي الأمويين على دمشق في عهد يزيد بايع عبد الله بن الزبير خليفة للمسلمين شأنه شأن بقية الولاة في الأمصار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمّا مروان فيغادربصحبة أبناءه المدينة المنورة على عجل و يرتحل إلى دمشق ، فلما وصلها وجد الأمر مضطرباً والانقسامات على أشدها بين أهل الشام ، و حتى بين بني أمية و حلفاءهم
فوجدها فرصته الذهبية للاستيلاء على الملك ، و قد شجعه على ذلك عدد من رجال بني أمية البارزين و القادة العسكريين المتورطين بجرائم ضد المسلمين و الخائفين مما ارتكبته أيديهم في عهد يزيد
كان أهم رجاله أشخاص من أمثال الحصين بن نمير المسكوني الذي كان قائد الجيش الذي استباح المدينة ، و رمى الكعبة بحجارة المنجنيق ، و عبيد الله بن زياد قاتل الحسين ووالي يزيد على العراق و غيرهم من رجالات الدولة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي دمشق كان على مروان النجاح في الاستحقاق الأول وهو توحيد صفوف بني أمية و استبعاد منافسه والمرشح الأول للعرش الأموي خالد بن يزيد الذي رغم كونه لا يزال شاباً صغيراً الا أن تياراً كبيراً من بني أمية كان يناصره ، و كي يقوم بتحييد خالد مؤقتاً تقدم مروان بن الحكم بطلب الزواج من أرملة يزيد و أم ولي عهده فاختة بنت هاشم الأموية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فاختة هذه هي ابنة عم يزيد لكنها على النقيض منه ، فهي وإن كانت قد ابتليت بمجون زوجها و حبه للصيد و النساء و تعاطيه الخمر ، إلا أنها فرغت نفسها لرعاية أبنائها منه وتنشئتهم تنشئة مختلفة عن سيرة أبيهم حتى صاروا على النقيض من يزيد
فابنها الأول معاوية الذي تولى الخلافة لعدة أيام ثم تنازل عنها قال في خطبة اعتزاله ما يدل على صلاحه و حسن تربية أمه له :
"والله إن كانت الدنيا عزاً فقد نلنا حظنا منها ، وإنا كانت شراً فكفى ما أصابنا منها"
وذكر ما فعله أبوه يزيد بالحسين و بأهل المدينة فبكى ، و ظهر زهده في الملك عندما طلب منه أن يرشح خليفة بعده فترك الأمر شورى بين المسلمين وهو يقول : ما أصبت حلاوتها فلماذا أتحمل مرارتها؟
وقد فجعت به أمه وهو يموت مسموماً على يد أهله من بني أمية الذين حقروه و لقبوه بأبي ليلى ، فحاولت أن تعوض عن خسارتها في ابنها الأول بابنها الأصغر خالد لذلك قبلت الزواج برجل بني أمية القوي مروان بن الحكم كي تضمن ما كانت تراه حق ابنها خالد بعد أخيه معاوية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و بعد زواجها من مروان تداعى بنو أمية إلى مؤتمر تأسيسي سمي مؤتمر الجابية في دمشق و الذي حضره أيضاً زعماء الشام و كبار قبيلة كلب و تم الاتفاق في المؤتمر على مبايعة مروان بن الحكم بالملك ، على أن يكون وريثه وولي عهده هو خالد بن يزيد
فنجح مروان بهذا المؤتمر من توحيد صفوف بني أمية مع أنصارهم من القوى السياسية الفاعلة و القبائل الشامية القوية ، وقبل على مضض أن يكون ولي عهده خالد بن يزيد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما الاستحقاق الثاني الذي كان أمامه فهو توحيد الشام ذات الهوى الأموي و كورها الخمس التي كانت منقسمة على نفسها
فحشد جيشاً ضخماً قوامه من كلب لقتال أنصار خلافة عبد الله بن الزبير في الشام و معظمهم من قيس ، و نشب القتال في مرج قرب دمشق يسمى مرج راهط
و دامت المعارك 20 يوماً استطاع في نهايتها أن ينتصر الأمويون بمعاونة قبيلة كلب على قبيلة قيس و قتلوا منهم أناس كثر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و بعد هذه المعركة الحاسمة وحد مروان الكور الخمس لبلاد الشام كلها تحت رايته ، و توطد له الأمر في مربط النظام العالمي عبر كل العصور
و خلال شهور قليلة - وبتأثير الدومينو - استطاع أن يبسط سيطرته على مصر و المغرب عن طريق الدهاء و الرشوة تارة والقتال تارة أخرى فنقض ولاة هذه الولايات بيعتهم لعبد الله بن الزبير و دانوا بالولاء لمروان
ثم وجه أنظاره نحو العراق فأرسل إليها عبيد الله بن زياد (قاتل الحسين ) ، وطمعه بالإمارة
وهكذا استطاع في بضع شهور أن يستعيد لبني أمية معظم الولايات ، ولم يبق في ولائه للخليفة الشرعي عبد الله بن الزبير إلا ولاية الحجاز و جيوب صغيرة متفرقة
لقد نجح في هذا خلال 9 شهور فقط و أخذت الدنيا زخرفها لمروان بن الحكم و ظن أنه قادر عليها
فعقد لولديه عبد الملك وعبد العزيز لولاية العهد من بعده ، و عزل خالد بن يزيد من ولاية العهد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد كان خالد بن يزيد رغم صغر سنه شخصية محبوبة لدى الناس في الشام، وكان مولعاً بالكيمياء
لكن مروان لم يتركه و شأنه فقد خشي من حب الناس له فعمل على تحقيره والحط من شأنه أمام رجال الدولة ، فشكى خالد لأمه ما فعله به زوجها ، وهي ترى ذلك و تهدئ من روعه وقد شعرت بالندم لقبولها الزواج بمروان الذي استغلها أبشع استغلال حتى انتهت فترة صلاحيتها ، ثم صار يكيل الإهانات لها و لابنها
و قد وصل الى مسامعها أن زوجها مروان قال لابنها كلمة جارحة و نابية على رؤوس الأشهاد ، فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فأضمرت له الشر ، حتى جاء مخدعها في احدى الليالي
وقد أحس أنه بالغ في إهانتها و اهانة ابنها ، فسألها: هل قال لك خالد شيئاً عني ؟
فقالت : ما حدثني بشيء ولا قال لي شيئاً
فقال : ألم يشكني إليك ويشكو تقصيري به كما كان يفعل ؟
فقالت له : يا ابن عمي لقد أفهمت خالداً من قبل أنك له بمنزلة الوالد ، وأنت أعظم في عيني من أن أسمح لخالد بأن يقول عنك شيئاً .
فاطمأن مروان لها قليلاً ، و مازالت تراوده حتى ازداد اطمئناناً
وبات عندها ليلته تلك ، فتركته حتى نام ، ثم أسرعت و غلّقت الأبواب و استدعت بعض جواريها ، وكانت تلك هي الليلة الأخيرة لمروان في هذه الدنيا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نام مروان وقد أخذت الأرض زخرفها له و ظن أنه قادر عليها
لقد نام وهو يرى شريط حياته و انجازاته تُـعرض عليه
في تلك اللحظة لا بد له أن يرى في نومه ابن عمه عثمان الذي خانه و زوّر خطاباته ، فخشي أن يفتضح أمره فصار يصعد الأمور مع رؤوس الفتنة باتجاه عزل الخليفة أو قتله كي يصرف الأنظار عن موضوع تزوير الخطابات و لا يتيح لعثمان وللصحابة أي وقت للتحقق من تزوير الختم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و ربما رأى في نومه في تلك اللحظة ابن عمه عثمان وهو ينازع في لحظاته الأخيرة في هذه الدنيا
رآه محاصراً في داره وقد قطع المتمردون عنه الماء ، و ثلة من الغوغاء تحرق باب الدار و تعيث بها فساداً
فلمح في تلك اللحظة رجلاً ملثماً متخفياً بقناع أسود يتسلل لوحده من بين الجموع ، رآه وهو يدخل مسرعاً على أمير المؤمنين و يستعجل كي يخنقه بيديه
رآه و هو يعصر بكل ما أوتي من قوة عنق عثمان الهزيل ، ورأى يد عثمان الضعيفة المرتعشة تقاوم القاتل و تشد اللثام الأسود الذي يخفي وجهه ، فانزاح القناع للحظات و بدى الوجه الذي وراءه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في تلك اللحظة ربما رأى نظرة دهشة تعبر في عيني عثمان المفتوحتين على مصراعيهما و قد اكتشفتا هوية القاتل الخفي ، و ربما استطاع أن يلمح في سواد حدقتي المقلتين المتوسعتين انعكاساً لصورة وجه قبيح مألوف لديه
وجهٌ كان دائماً ما يراه كلما نظر في المرآة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يسقط عثمان على الأرض مغشياً عليه ، ويعيد مروان تغطية وجهه باللثام الأسود قبل أن يلاحظ وجوده أحد ويخرج من الغرفة بسرعة كما دخل إليها بسرعة ، فتتعثر قدمه بمصحف عثمان الملقى على الأرض و تقع عينه لحظة واحدة على صفحة عليها بقعة حمراء من دم عثمان تضرج آية قرآنية مكتوبة بالرسم العثماني ..
فسيكفيكهم الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في هذه اللحظة شعر بضيق في التنفس ، فاستفاق من نومه فزعاً ، و فتح عينيه ليرى وجه ابنة عمه فاختة قد وثبت هي وجواريها عليه ، وغمته بوسادة كتمت أنفاسه وهن يقعدن على جوانبها حتى اختنق في سريره
و ربما رأت روحه وهي تحلق في سماء الغرفة فاختة وهي تشق جيبها ، وتأمر جواريها أن يفعلن مثلها ، وربما كان آخر صوت يسمعه في هذه الدنيا هو صوت صراخن وهن يتباكين و يتظاهرن بأنه مات موتاً طبيعياً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان ذلك في سنة 65هـ
مات مروان مخنوقاً على يدي ابنة عمه و جواريها كما تذكر كثير من الروايات التاريخية
ولم يدم حكمه سوى 9 أشهر فقط ، وانتقل الامر من بعده الى ابنه عبد الملك الذي استعان بالحجاج لتوطيد حكمه ، فاستطاع بعد 9 سنوات من القضاء على ابن الزبير المعتصم في مكة ، بعد قصف الكعبة بالأحجار
قد يكون هذا ما رآه مرون – ربما – قبل اختناقه ، أما ما رآه خصمه و ابن جيله عبد الله بن الزبير فقد دونته بعض كتب السيرة و التاريخ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رأى عبد الله بن الزبير في منامه قبل شهور من مصرعه البطولي على أرض المسجد الحرام ماسكاً بأستار الكعبة كأنه صارع عبد الملك بن مروان ، فصرعه عبد الملك ، وسمره على الأرض بأربعة أوتاد.
فأرسل راكباً إلى البصرة ، وأمره أن يلقى التابعي محمد بن سيرين ، ويقص الرؤيا عليه ، ولا يذكر له من أنفذه.
فأتاه وقص عليه المنام ، فقال له ابن سيرين : من رأى هذا ؟ قال : أنا رأيته في رجل بيني وبينه عداوة.
فقال : ليست هذه رؤياك ، هذه رؤيا ابن الزبير أو عبد الملك ، أحدهما في الآخر.
فسأله الجواب ، فقال : ما أفسرها أو تصدقني ، فلم يصدقه ، فامتنع من التفسير ، فانصرف الراكب إلى ابن الزبير ، فأخبره بما جرى.
فقال له : ارجع إليه ، واصدقه ، أنني رأيتها في عبد الملك.
فرجع الراكب إلى ابن سيرين ، وصدقه ، فقال له : قل له يا أمير المؤمنين ، إن عبد الملك يغلبك على الأرض ، ويلي هذا الأمر من ولده لظهره أربعة ، بعدد الأوتاد التي سمرك بها على الأرض.
/ المنتظم في تاريخ الأمم لابن الجوزي ، الفرج بعد الشدة للتنوخي /
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا ما كان لقد استشهد إبن ابيه ، وحمامة المسجد ، و غلب على الأرض عبد الملك بن مروان و جاء من بعده 4 من أولاده
و طويت صفحة ابن الزبير ..
أو هكذا يظنون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا هو عبد الله بن الزبير الرجل النادر الذي خذله عصره ، و لم ينصفه التاريخ
ربما لأن التاريخ لا يحب من يحاولون إصلاح مجراه قبل الأوان
فالتاريخ دائماً يحابي المنتصر
و رغم فشل عبد الله بن الزبير في استعادة خلافة على منهاج النبوة في عصر الملك العاض ،
فلا يوجد شيء أستطيع أن أصف به مدى عشقي لهذا العظيم ، لهذا الجذر الأصيل الراسخ في الوجدان الا الحب الذي أخبئه للبذرة الطاهرة القادمة ، اقنى الأنف أجلى الجبهة الذي سيبايع ما بين الركن و المقام ، و الذي سينجح بما فشل به عبد الله بن الزبير
سينجح في تصحيح مسار التاريخ و تقويم اعوجاجه، وسيملئ الأرض عدلاً و قسطاً كما ملئت ظلماً و جوراً ، وكلي يقين أنه سينجح في ذلك حتى لو لم يبق من الدنيا إلا يوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحتى يأتي ذلك اليوم
فلا خيار أمامي الآن إلا أن أحب عبد الله بن الزبير ، أو ابن ابيه كما وصفه رسول الله
أحبه و هو نطفة طاهرة و بذرة نقية من شجرة مباركة
أحبه وهو جنين قابع في رحم أمه أسماء و نطاقها المبارك يدفئ جسمه الذي ترسم ملامحه الجميلة يد الله البديع
أحبه وهو أصغر المهاجرين على الاطلاق من مكة الى المدينة ، و أول وليد يولد للمسلمين في المدينة بعد ثمانية شهور من العقم
أحبه رضيعاً و ريق رسول الله صلى الله عليه و سلم كان أول ما دخل جوفه ، وصوته الرحيم و هو يكبر في إذنه الصغيرة هو أول الأصوات و أجملها التي استقبلها سمعه في هذه الدنيا
أحبه صبياً و أميراً صغيراً يتزعم الأطفال و يترأس وفدا منهم كي يبايع النبي أسوة بسادات الرجال
و أحب مشاكسة الغلمان فيه وهو لا يجد مكاناً أميناً يدفن فيه دم رسول الله الا جوفه
لم شربت الدم ؟ - قال له رسول الله - ويل لك من الناس وويل للناس منك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحبه مراهقاً يافعاً في اليرموك لم يتجاوز الإثني عشر سنة يعتلي صهوة فرس أبيه الزبير و قدمه الطرية تركل جنود الروم
أحبه شاباً و فارس فرسان قريش يتقدم جيوش الفاتحين التي تفتح الأمصار شرقاً و غرباً
أحبه عالماً يترأس اللجنة التي شكلها عثمان لتدوين المصاحف بالرسم العثماني الموحد
أحبه رجلاً ذو مروءة يترأس أولاد الصحابة بما فيهم الحسن و الحسين كي يدافع عن امير المؤمنين عثمان ضد المتمردين
أحبه و هو يرفع بيديه القواعد من البيت العتيق الذي قصفه الحجاج و يعيد بناءه كما ابراهيم و كما اسماعيل و كما رسول الله
أحبه و هو يحاكي رسول الله صلى الله عليه و سلم ممسكاً بيديه الحجر الاسود و يضعه في مكانه
أحبه إماماً يؤم المصلين لتسع سنوات في المسجد الحرام
و أحبه شهيداً يُسفك دمه فوق أحجار الكعبة من أجل الحق
أحبه جثة مصلوبة في مكة على جذع شجرة ، ولأيام طويلة تنهشها الغربان ..
أحب جراح جسده الممزق و يد أمه العجوز أسماء التي تجاوزت المئة تتحسس أشلاءه و ترثيه بعيون كفيفة غادرها النور :
" أما آن لهذا الفارس أن يترجّل ! "
.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.
لقد آن الأوان يا أسماء ، لكن لايزال ثمة شيء آخر
بل ثمة شيء أخير
شيء .. شُـوهد من قبل
أو ربما ...
Déjà vu
.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نـورــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للحديث بقية
• تنبيه : لقد اتبعت في كتابة هذا المقال اسلوب مختلف ، وهو خطير أيضاً على القارئ المبتدأ
فهو مزيج ما بين الخيال القصصي و الحقيقة التاريخية و المشاعر الذاتية
و اعتقد أن القارئ الواعي سيميز الخط الفاصل ما بينهم
و من البديهي القول أن كل ما له علاقة برؤيا مروان قبل موته هو اجتهاد و خيال درامي.
لزم الاشارة لأن العقول متفاوتة ، ولأن الانسان كان أكثر شيء جدلاً.
نور
تعليقات
إرسال تعليق